الدكتورة ماجدة عبد الله تكتب : حى الجمرك قلب الإسكندرية النابض

الدكتورة ماجدة عبد الله تكتب : حى الجمرك قلب الإسكندرية النابض
الدكتورة ماجدة عبد الله تكتب : حى الجمرك قلب الإسكندرية النابض

حى الجمرك قلب الإسكندرية النابض

أ.د/ ماجدة عبدالله

استاذ تاريخ وأثار مصر والشرق الأدنى القديم

بكلية الأداب جامعة كفر الشيخ

فى ظل احتفالات الإسكندرية بعيدها القومي 26 يوليو 2020 ، كان لابد أن أكتب عن حى الجمرك الحى العريق بالإسكندرية  .

فمدينة الإسكندرية هى أعرق مدينة ساحلية لمصر على ساحل البحر المتوسط ، ولقد أنتبه الإسكندر الأكبر على أثر دخوله إلى مصر فى خريف 332 ق.م للموقع الفريد لإقامة المدينة التى تحمل أسمه حتى اليوم وذلك بعد أن شاهد على أرض الواقع مدى قرب موقع جزيرة فاروس من اليابسة أى الخط الساحلى الشمالى لمصر وأنشأت المدينة على أطلال حصن قديم "رع - قدت" والذى يُطلق عليه  أسم "راكوتيس "، وكان يشكل تحصيناً دفاعياً للمدينة ، وبناءاً على  شواهد أثرية عٌثر عليها فوق الأرض وتحت سطح البحر بالإسكندرية وخاصة بالميناء الشرقى وشمالها، أعتقد  أن هذا الحصن إما كان يقع على الطرف الشرقى أو عند الطرف الغربى للجزيرة وربما مجاوراً لميناء قديم يمتد تحت الميناء الغربى على أعماق كبيرة وتم الكشف عنه فى 1925 وتم بناؤه  بكتل ضخمة من حجر الجرانيت.، ولقد أمر الإسكندر المقدونى مهندسه " دينوقراطيس " بتخطيط المدينة ومد جسر يربط بين جزيرة فاروس والأرض اليابسة يسمى "هيبتا ستادويم " بمعنى 7 أستاديوم أى نحو 1300 متر وذلك فى يوم الخامس والعشرين من شهر طوبة عام 331 ق.م ونتج عن ذلك الجسر مايعرف بالميناء الشرقى والميناء الغربى حتى عصرنا الحالى وهما المينائين الواقعين فى حى الجمرك العريق.

ويعتبر حي الجمرك  قلب المدينة وهو الحى الأثرى والسياحى  بالمدينة ، شاهد ظهور حضارات واختفاء أخرى ، مثل الحضارة المصرية القديمة وما تلاها من حضارات يونانية ورومانية ، كما شاهد الحي بداية حكم وأنتهاء حكم ونعنى هنا أسرة محمد على الذى بدأت حكمها ببناء قصر رأس التين ، وهومن أول القصور الملكية الذى أدخل به خط تليفونى، وبداخل ساحة القصر مسجد رائع البناء للحاكم السكندرى محمد كريم المناضل ضد الفرنسيين ، وأنتهى حكم هذة الأسرة  فى نفس القصر بخروج الملك فاروق على سفينته الملكية " المحروسة " من الميناء الواقع شمال القصر الملكي ، كما شاهد بداية جديدة لمصر فى ثورة 23 يوليو 1952 .

ويتسم حى الجمرك بأنه جمع بين اثار تنتمى إلى نهاية عصر الفراعنة وتأثيرها على مقابر من العصر البطلمي فى منطقة راس التين والمعروفة بأسم  جبانة الأنفوشي واكتشفت سنة 1901م وتضم خمسة مقابر، وترجع للعصر البطلمي وبداية العصر الروماني.

كما يضم حى الجمرك ميدان ضخم يضم المساجد والأضرحة واهمهم مسجد ضريح الشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن حسن بن على الخزرجى الأنصارى المرسي، الذي يتصل نسبه بالصحابي سعد بن عبادة ، وولد الشيخ أبو العباس المرسي عام 616 هـ ، الموافق  1219 م ، وعاش أبو العباس في الأسكندرية طوال ثلاث وأربعين سنة إلى أن مات في الخامس والعشرين من ذى القعدة سنة 686 هـ ودفن في الإسكندرية في مقبرة باب البحر- مكان مسجده الأن- ، وفي عام 1934 م وبناءاً على أوامر الملك فؤاد الأول أنتهى المهندس المعمارى الإيطالى  ماريو روسي من إنشاء ميدان فسيح يطلق عليه " ميدان المساجد" لكى يضم مساجد أبى العباس المرسى ، والأمام البوصيرى صاحب نهج البردة وهى قصيدة فى مديح الرسول محمد عليه الصلاة والسلام ، وسيدى ياقوت العرش ، ومساجد أثرية أخرى هامة .

كما تقع قلعة قايتباى بالحي وأنشائها السلطان الملك الأشرف أبو النصر قايتباي المحمودي فى أقصى النهاية الشرقية لجزيرة فاروس ويحتمل أنه الموقع القديم لمنارة الإسكندرية أوكانت بالقرب منه منارة الإسكندرية القديمة التي تهدمت سنة 702 هـ على إثر الزلزال المدمر الذي ضرب الإسكندرية في عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون، وقد بدأ السلطان الأشرف أبو النصر قايتباي بناء هذه القلعة في سنة 882هـ   وانتهى من بنائها سنة 884هـ .وشيدت تلك القلعة للدفاع عن مصر ضد الخطر العثمانى وأهتم بتجديدها وتسليحها السلطان المملوكى قنصوة الغورى .أما المنارة التى أختفت تحت مياة البحر كما أعتقد فقد كانت بناء مستقل طوله 150 مترًا أو أقل، مكون من ثلاثة طوابق الطابق الأول ذو شكل مربع والثاني مثمن والثالث دائري ويغطي قمةالمنارة قبة ويعلوها تمثال الإله بوسيدون إله البحار والمحيطات ذو الشوكة الثلاثية الشهيرة عند الأغريق وكانت يزينها تماثيل من الرخام.

ويعتبر ميدان المنشية والمعروف بأسم " ميدان التحرير " أو "ميدان القناصل "، أو "ميدان محمد على"  من أهم ميادين محافظة الإسكندرية وهو قلب المدينة الأوربية لما به من مبانى أثرية وتاريخية وحدائق مصممة على الطراز الأوربى وتماثيل وكنائس ويقف كل ركن فيه شاهداً على حدث هام من أحداث مصر التاريخية.

ويشتق أسم المنشية من أسم وكالة منشه التى تقع تحت رقم 11 بميدان التحرير وقد بناها المعماري الإيطالى أنطوان لاشياك سنة 1885 م  وبدأ حى المنشية ينهض مع نهضة مصر فى عهد محمد على (1807-1848 م) وكان له دوراً هاماً فى النهضة التجارية لمدينة الإسكندرية، ويطلق على هذة المنطقة  أسم " المدينة الأوربية"  إذ تم تخطيطة بمعرفة " مجلس الأورناطو"  وهو المجلس المختص بالزخرفة أنشأؤه محمد على فى عام 1834 م ، وتضم منطقة المنشية عدد من الوكالات الأثرية والتجارية والتاريخية ، والنصب التذكارى للجندى المجهول ( موقع قاعدة تمثال الخديوى إسماعيل سابقاً )  حيث قامت الجالية الإيطالية بالإسكندرية بعمل هذا التمثال وتنفيذه على ساحل الميناء الشرقى بطريق الكورنيش الذى أنشاؤه الملك فؤاد الأول سنة 1934 م وأطلق عليه فيما بعد أسم " شارع" فاروق الأول "  ، وتم  أهداؤه للإسكندرية ونفذه المعمارى الإيطالى أرنستو فيروتشى بك ( مهندس القصور الملكية ) حينذاك على تصميمه وتنفيذه وأنتهى منه فى عام 1935 م ، وتكلف هذا التمثال نحو 1200 جنيهاً مصرياً ، وكان حول التمثال عبارات تسجل أسمه وتاريخ مولده ووفاته وشعارات ملكية.

أما فى الحديقة التى تتوسط الميدان يوجد تمثال محمد على ممتطياً جواده وأقيم فى عام 1872 م بهذا الميدان وحوله حديقة على الطراز الفرنسى وصمم هذا التمثال الفنان الفرنسى جاكمون  ويبدو التمثال البرونزى أعلى قاعدة من الرخام الأبيض    " كرارة" مستطيلة الشكل.

كما يوجد مبنى جمعية الأسعاف الذى شيده المعماري أليسندروا لوريا عام 1927م وكان يعلو المبنى زخرفة بالتاج الملكى وكتب عليها عبارات باللغة الإيطالية تعنى (قسم الأسعافات السريعة) .

أما الوكالات التجارية بالمنشية فهى  وكالة منفراتو التجارية ،وكالة البارون جاك منشة ، عمارة الأمير أبراهيم ، محكمة سراى الحقانية المختصة بالنظر فى القضايا التجارية ، هذا بجانب محكمة مدنية تقع على البحر مباشرة امام الميناء الشرقية ، كما يوجد مبنى الشهر العقارى يقع هذا المبنى فى ميدان التحرير تحت رقم 21 وكان هذا المبنى تاريخياً هو " البنك السلطانى العثمانى " وسجلت هذة العبارة باللغة العربية واللغة الفرنسية واجهة المبنى من أعلى ، بجانب كنيسة سان مارك ، كما كان يوجد بورصة وتم هدمها بعد أن تم تأميمها فى 1961م. هذا بجانب ضم الحى لعدد من القنصليات والبنوك الأثرية فى الطرازالمعمارى على النمط الأوربى .

وعاش فى هذا الحي شخصيات عظيمة من بينها السيد محمد كريم الذى ولد بالأنفوشى  ، وتوفى رمياً بالرصاص وفقاً لأوامر نابليون وذلك فى ميدان الرميلة بالقاهرة فى 6 سبتمبر 1797م لأنه كافح ضد الأحتلال الفرنسى لمصر ، وعاش بالحي  الشاعرمحمود محمد بيرم الحريرى المعروف بأسم  بيرم التونسى ، والفنان  التشكيلى محمود سعيد الرسام والقاضى وخال الملكة فريدة ملكة مصر وزوجة الملك فاروق ، وعدد من التجار الأثرياء مثل عبد القادر بك الغريانى أشهر تجار الياميش بالمدينة ،  كما شاهد هذا الحى عدد من حكام أسرة محمد على إذ أن قصر رأس التين كان من القصور التى يتم أدارة الدولة منه خلال فصل الصيف لما يتم بموقعه الرائع على ساحل البحر المتوسط، وسكن به ملوك وملكات مصر، وزاره عدد من الملوك والرؤساء المصريين والأجانب .

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

 
Get new posts by email: