أبانوب سمير يكتب ...المَحبَّة فِردَوسُ حياتِنا

أبانوب سمير يكتب ...المَحبَّة فِردَوسُ حياتِنا
أبانوب سمير يكتب ...المَحبَّة فِردَوسُ حياتِنا


نحن جميعًا نعيش تحت سَقْفِ هذا الوطن ونتآوى تحت ظِلِّهِ ونستدفئ بخَيْراته الَّتي مَنَحَها اللهُ لنا؛ ولكنَّنا –مع ذلك– لم نَصِلْ إلى حالة الرِّضا والاكتفاء! لا يزال كثيرٌ مِنَّا يشعُر بالنَّقْصِ والاحتياجِ والعَجْزِ، ويبحث عمَّا يبلُغُ بنفسه حالةَ الاكتفاءِ والسُّرور والشِّبَعِ؛ حيثُ مِلءُ السَّعادةِ والفرحِ وتَفَرُّغُ القلبِ من الهموم والآهات. ولكنَّه إلى الآن لا يَجِدُ شيئًا! فما المُشكِلة؟ لماذا لم يَرْتَحِ البشرُ أجمعون حتَّى يومِنا هذا؟ لماذا لا يزالُ صَخَبُ العَويلِ والبُكاءِ والنَّحيبِ وضجيجُ الحُزْنِ والألَمِ والضِّيقِ يسود بُيوتَنا ومَنازِلَنا؟ ألَمْ يَجُدْ علينا الرَّحيمُ بِنَعَمِهِ وفَضْلِهِ وعَفْوِهِ وإحسانِه ويُوفِ كُلَّ احتياجاتِنا ويَستجِبْ كُلَّ طَلِباتِنا الَّتي تضرَّعْنا إليه لَيْلَ نهارَ من أجلها؟ ألم يَرْعَنا ويستُرْنا ويُظَلِّلْ علينا بَسَتْرِهِ ونِعمتِه الفائقةِ اللَّامَحدودةِ؟ ألم يُصْغِ إلى صوتِ تَضَرُّعِ قُلوبِنا ويُشفِقْ علينا ويرحَمْنا؟ بَلَى! لقد فَعَلَ! وما زالَ يفعلُ كُلَّ يومٍ، بل كُلَّ دقيقةٍ، بل كُلَّ ثانيةٍ؛ من أجلِ إراحةِ أنفُسِنا وإبهاجِ قُلوبِنا وتخليصِنا من همومنا! ولكن لا يزال هناك أمرٌ واحدٌ فقط؛ هذا لم نطلُبه بعدُ: أن نعيش في المَحبَّة ونثبُت في رِباطها! فيا للحَسْرَةِ ويا للأسفِ! إنَّها وحدها، وليس شيءٌ آخَرُ سِواها، سيُقيم قُلوبَنا من موتِ اليأسِ والشَّقاء والمُعاناة، وسيُجدِّد مِثلَ النُّسورِ شبابَنا! إنَّها قَوِيَّةٌ في كُلِّ ما تعمل، ولا تضعُف أبدًا مهما كانت الأحوالُ عَسِرَةً! وهذا ليس إلَّا لأنَّها تستمدُّ قُوَّتها وفاعِليَّتَها من الله نفسه؛ فهو الينبوع الَّذي يفيض بالحُبِّ والحنان واللُّطف على بني البشر ويغُمرهم بِعَوْنِهِ ومَعونتِه. إنَّ الله دائمًا ما يسمع صلواتَنا ويستجيب طَلِباتِنا، ويُحقِّق أُمنِياتِنا ويُعطِينا سُؤالاتِ قلبِنا، قبل أن نسأله؛ فهو يعلم ما نحتاج إليه أكثرَ مِمَّا نعلم نحن احتياجَنا. وهو إلى الآن ينتظر مِنَّا أن نطلُبها منه لِيَهَبَها لنا. فإن علا صوتُ البُكاءِ والنَّحيبِ وزَعْزَعَ سلامَنا وحَطَّمَ وِئامَنا؛ فالمَحبَّة تُخرِسُه بِقُوَّتِها مُحَوِّلَةً إيَّاهُ صوتَ صلاةٍ وفرحٍ سماويٍّ رقيقًا ملآنًا عُذوبةً، وتُعيد إلينا سلامَنا ووِئامَنا؛ فيتقوَّى رِباطُها في قُلوبِنا ويلتفُّ حَوْلَها بِشِدَّةٍ حتَّى يخنُقَ هذه الهمومَ الَّتي قد سادَتْ عليها فَكَدَّرَتْ صَفْوَ حياتِنا؛ وبهذا نُشكَّل مِن جديدٍ بِحَسَبِ الصُّورةِ النَّقِيَّةِ المُبارَكة المَملوءةِ بهاءً الَّتي خَلَقَنا اللهُ عليها. وإن كانت البسمةُ قد انمحَت من وجوهنا، وتملَّكَ علينا البُؤسُ وغَمَّنا؛ فالمَحبَّة ترسُم على وجوهنا البسمةَ من جديدٍ بأقلامِ البهجةِ والمَسَرَّةِ الَّتي تجعَلُ بسمَتَنا، بِخَطِّهَا الجميلِ الحَسَنِ، أشرَقَ من ذي قبلٍ، وتقضي على غَمِّ بُؤسِنا وتُحَوِّلُ مرارةَ حُزنِنا وضِيقِنا حلاوةً وتحمِلُنا على جَناحَيْها إلى دارِ النَّعيمِ والارتياحِ. فهي الَّتي رَبَطَت الأنبياءَ والشُّهداء والصِّدِّيقين بالله، حتَّى لم يَعُدْ مِنهم مَن يقول: «يا ربَّاه، إنِّي مُحتاج»؛ إذ عَمَّقَتْ في قُلوبِهم شُعورَ الامتلاءِ والاكتفاءِ. إنَّها ليست قَوِيَّةً في أعمالها فَحَسْبُ، بل هي جبَّارةٌ وخارِقةٌ؛ حتَّى إنَّ أطرافَها تتمدَّدُ ومِلْئُها يَسَعُ العالمَ بأسْرِه! أقولُها حقًّا ويقينًا! إنَّها تُنبِع في قُلوبِنا نَبْعَ حنانٍ غزيرًا، وتُنبِت في أعماقِنا أحشاءَ رأفةٍ وأُلفةٍ وتكاتُفٍ ووَحْدَةٍ؛ فتنطبِعَ علينا صُورةُ بهائها ونصير واحدًا فيها! لأنَّه إن كانت الملائكة، وهي مَخلوقاتٌ نُورانيَّة، تقف أمام خالقِها كُلَّ يومٍ وتُنشِد أجملَ التَّسابيحِ وأعذبَ التَّماجيدِ، ومتى سَمِعَ أحَدُها صوتَ صانِعِه يُنادِيه يُسرِع إليه ويقف في حضرته خاشعًا مُصغِيًا إليه بماذا يأمُرُه ليُنفِّذ أمرَه في ذاتِ اللَّحظةِ الَّتي كَلَّمَهُ فيها بأسرعِ ما يكون؛ فكم بالحَرِيِّ نحن المَحبوبون جدًّا مِن خالِقناا؛ الَّذين –وإن كُنَّا قد أُنْقِصْنا قليلًا عنها– قد تُوِّجْنا وتَكَلَّلْنا بكرامةٍ وبهاءٍ ومَجدٍ فائقٍ منه، وتَسَلَّطْنا على أعمالِ يَدَيْهِ؟! إلهَنا الرَّؤوفَ الحنَّانَ، أنت عِزُّنا وفَخْرُنا ومجدُنا وفَرْحُنا ورافِعُ رأسِنا. بك نحتمي وفيك نأتوي. ما عاد هُناك شيءٌ لم تَهَبْهُ لنا. لقد وهبتَ لنا كُلَّ احتياجِ نفوسِنا وسُؤْلِ قلوبِنا! يكفينا أنَّك ترعانا وتحفظنا في اسمك القُدُّوس حتَّى الآن؛ مع كُلِّ ما نقترفه من إثمٍ وعِصيان! فَهَيَّا يا مَلِكَنا وحبيبَنا وسلامَنا ورجاءَنا ومُغيثَنا، ارسُم فينا حنانك. رَسِّخْ في قلوبنا مَحبَّتَك. املأ حياتَنا حُبًّا وأمْنًا وعطفًا ولُطفًا. أضرِمْ فينا نارَ مَحبَّتِك الإلهيَّةَ؛ حتَّى نصرُخَ جميعًا بنفسٍ واحدةٍ قائلين: الله وَكَفَى!

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى أحمد ناجي يكتب : مراحل إدارة الأزمات والكوارث

 
Get new posts by email: