محمود عنتر يكتب " إستقلال القضاء والمحاماه "

محمود عنتر يكتب " إستقلال القضاء والمحاماه "
محمود عنتر يكتب " إستقلال القضاء والمحاماه "

إن الحديث عن أستقلال القضاء والمحاماه شأنه يتجاوز بكثير حدود القضاة والمحامين أنفسهم ، إذ أنه في مضمونه ومحتواه وثيق الصله بقضية العدل والانصاف وميزان الحريه في المجتمع ، وهو ليس ترفاً وليس خياراً للشعوب أو الحكام بل هو حتمية حياه وضرورة وجود ،بغيره تعم الفوضي ويأكل القوي الضعيف ويفقد المظلوم الملجأ والحصن الذي يلوذ به ويثق في استقلاله ونزاهته ، وأبرزت هذه الحقيقة المذكرة الإيضاحية لقانون استقلال القضاء الذي صدر في مصر في 12 يوليو 1943حين تضمنت : " أن يقوم القضاء بجانب السلطتين التشريعية والتنفيذية بأداء رسالته مع الاحتفاظ بطبيعته المستقلة عن هاتين السلطتين" كما أكدت المذكرة : إن الدستور المصري ابرز هذه الحقيقة ولم يخلقها وذلك بتتابع إصدار الدساتير حتي دستور مصر الحالي 2014 وتعديلاته الصادرة عام 2019 أكدت علي مجموعه من ضمانات استقلال السلطة القضائية في مواد متعدده والتي من شأنها تحقيق ذلك الهدف ، والأصل فيه أن يكون كذلك وكل مساس بهذا الأصل من شأنه أن يعبث بجلال القضاء وكل تدخل في عمل القضاء من جانب أية سلطة من السلطتين يخل بميزان العدل ويقوض دعائم الحكم، فالعدل كما قيل قديما أساس الملك ونحن نري ان اساس العدل هو الاستقلال.

ولبيان المقصود بالسلطة القضائية المستقلة انه يعني بإيجاز شديد وجود ركيزتين أساسيتين هما: أولاً: أن القضاة هم وحدهم دون غيرهم الذين " يستقلون" بتطبيق القانون علي المنازعات والدعاوى بين الأفراد وبعضهم، أو بين الأفراد وأجهزة السلطة ، وأنهم دون غيرهم هم الذين يقضون بتجريم أفعال معينة  _وفقا للقوانين الجنائية – ويحكمون بعقوبات معينة تطبيقا لتلك القوانين المدنيه أو الإدارية أو الخاصه بالاحوال الشخصيه وغيرها ، ولا يجوز لجهة في الدولة أيا كانت أن تتداخل في أعمال القضاة أو أن تطلب تطبيقا معينا لنص معين أو أن تفرض حكما معينا في قضية معينة . ويتفق مع ما تقدم ويجري مجراه أنه لا يجوز لغير القضاة أن يحكموا في الدعاوى، لأن القاضي الطبيعي – القاضي العادي – هو الذي يجب أن يناط به وحده الفصل في القضايا والمنازعات في الدولة القانونية، أما أن تنتزع بعض القضايا لأهمية خاصة تقوم في نظر السلطات ويعطي الاختصاص بالفصل في تلك القضايا لغير جهة القضاء العادية فهو أمر يتعارض مع مفهوم استقلال القضاء تماما. وذلك لا يمنع إطلاقا أن غالبية دول العالم – إن لم تكن كلها – يوجد لديها إلى جوار القضاء العادي قضاء استثنائي في قضايا معينة كالقضاء العسكري الذي يفصل في الجرائم العسكرية التي يرتكبها أشخاص عسكريون داخل الوحدات أو الأماكن العسكرية او للأشخاص المدنيين الذين يعتدون علي منشآت عسكريه، ولكن هذا القضاء الاستثنائي يستمد ولايته من الدستور وقوانين قائمة قبل إرتكاب الأفعال يعلم بها سلفا المخاطبون بأحكام القانون أو يفترض فيهم العلم بها، وهذا القضاء الاستثنائي يأخذ معني القضاء العادي من ناحية أنه وإن اختص بنوع معين من الدعاوى استثناء من الأصل العام، إلا أن وجوده نفسه مقرر في قوانين عادية معلومة للكافة، ويجب علي الكافة أن تسلك في حياتها مسلكاً يتفق مع وجود تلك القوانين.

وثانياً : لا شك انه مما يؤكد استقلال القضاة ويجعلهم يؤدون أعمالهم علي النحو المبتغي أن يكون أمر القضاء كله بيد القضاة سواء من الناحيه الإداريه او الماليه ، فإذا كان تعيين القضاة يتم وفقا لإجراءات معينة يراعي فيها قدر من التدقيق الواجب، فإنه ومن ناحية أخرى أكثر أهمية فان تأديب القضاة ونقلهم وعزلهم يجب أن تستقل به الجهة القضائية وحدها وأن يعطي القاضي أوسع الضمانات للدفاع عن نفسه، ومن المبادئ التي توشك أن تكون مستقرة في غالبية دساتير الدولة الحديثة عدم قابلية القضاة للعزل إلا في أحوال محددة و وفقا لإجراءات معينة يرسمها القانون بوضوح وقد نص الدستور المصري في المادة (186) على أن القضاة مستقلون غير قابلين للعزل ، لا سلطان عليهم في عملهم لغير القانون .

ومن الاهمية بمكان التأكيد علي أن استقلال المحاماة يعد جزءا لا يتجزأ من استقلال القضاء، لأن الدستور والقانون اعتبر المحاماة جزءً من أسرة القضاء، وقرر استقلالها كمهنة، تساعد القضاء وتسهم في تحقيق العدالة،حيث نصت المادة 198 من الدستور علي أن المحاماه مهنه حرة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العداله وسيادة القانون وكفالة حق الدفاع ويمارسها المحامي مستقلاً ...." وتلك الماده تؤكد بشكل قاطع أن مبدأ مشاركة المحاماه للسلطة القضائية في كافة مناحيها ومهامها أصبحت مقرره وتم ترقيتها بمبدأ دستوري بعد أن كانت مقررة بنص قانوني فقط وارد في قانون المحاماه مما يجعل من هذا المبدأ أساساً لتشريعات مستقبليه حول هذه الشراكه بشكل أكثر إتساعاً عما كان من قبل ،وكل المهام جاءت معطوفه علي الشراكة تأكيداً علي أن المحامي جزء من الهيأة القضائية، وفاعل أساسي في مشهد العدالة، لا تستقيم موازينها دون انخراطه الأكيد في برامج الإصلاح والتطوير التي تشهدها بلادنا ولعل إنشاء أكاديمية المحاماة والدراسات القانونيه اول غيث من قطرات التعديلات الجديدة لأحكام قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 ،واشتراط القيد بالنقابة هو الالتحاق بأكاديمية المحاماة والدراسات القانونية .

هذه هي القضايا الأساسية التي وددت طرحها في مقالي الاول لتلك السلسله التي ستتوالي بإذن الله لدعم استقلال القضاء وتعزيز ثقه المجتمع المحلي والدولي في السلطة القضائيه والمساهمه في وضع رؤيه مؤسسيه شامله لعملية تطوير مستديمة للسلطة القضائية وفق استراتيجية تطوير القضاء 2019 – 2023 مرتبطة مع أهداف خطة التنمية المستدامة العالميه وخاصة في البند السادس عشر بتوفير إمكانية الوصول الي العداله للجميع وبناء مؤسسات فعالة وخاضعه للمساءله ، وتسير كذلك وفق خطة الدولة المصرية بوضع استراتيجيه للتنمية المستدامه " رؤية مصر 2030 "

 

 

د/محمود عنتر 

مستشار قانوني ومحام

باحث دكتوراه في القانون كلية الحقوق جامعة الاسكندرية 

Dr.manter2030@gmail.com

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

معلومات الكاتب

 
Get new posts by email: