محمد رمضان أبو شعيشع عادت مصر مرة أخرى إلى الساحة الأفريقية بعد غياب طويل لسنوات عديدة في مرحلة ما قبل ثورة يناير 2011، وما أعقبها من نواتج عدم الاستقرار والتذبذب في السياسة الخارجية المصرية في حقبة حكم جماعة الأخوان، التى أرادت تدمير كل ثوابت السياسة الخارجية والملفات المؤثرة في الأمن القومى المصرى، إلا أن مصر انتفضت من جديد عقب ثورة تصحيح المسار معبرة بذلك عن إرادة وطنية حقيقة شارك فيها كافة طوائف الشعب، فكانت ثورة 30 يونيو 2013، التى قدمت العديد من الأطروحات الفكرية والتصورات فشكلت في مجموعها الرؤية والنهج الذى سوف تسلكه الدولة المصرية في مرحلة البناء والاستقرار فيما بعد الثورة . وبناءً عليه سعت مصر إلى استعادة وتوطيد علاقتها مع الفاعلين الدوليين سواء دول أو منظمات إقليمية ودولية، بالإضافة إلى دورها في إعادة تفعيل مجالات حيوية لأمنها القومى، بالتالى أدركت مصر أن ذلك لن يتحقق إلا عن طريق تحقيق مزيد من التعاون والشراكات مع دول الجنوب، أى داخل القارة الأفريقية، إيماناً من أن مصر تدرك وحدة المصير المشترك في كافة المجالات السياسية والإقتصادية والأمنية والأجتماعية لشعوب القارة السمراء، ذلك لتحقيق ما تستهدفه خطط التنمية المستدامة 2030 لمصر، ووفقاً لما تطلبه خطة التنمية المستدامة للقارة الأفريقية 2063، لاسيما بعد نجاح مصر في الظفر برئاسة الإتحاد الأفريقى في يناير من العام الجاري، ومن ثم هناك عدة تساؤلات في هذا الصدد تدور حول ماهية أجندة أولويات الرئاسة المصرية للأتحاد الأفريقى، والحلول الموضوعة للتغلب على التحديات التى قد تعيق من مسارات تحقيق التنمية الشاملة في أفريقيا . باتت مصر تدرك جيداً حجم المتغيرات الاقتصادية الدولية التى مر بها العالم في العقدين الأخيرين من القرن العشرين، والتى سببت في إنقلاب موازين القوى بين الدول وأحدثت تغيرات في المفاهيم الاقتصادية والإجتماعية، بل وتغيرات جذرية في أساليب عوامل الإنتاج دون أن يكون بمقدور أى مجتمع الإنعزال عنها أو عن العولمة ومظاهرها المختلفة، فعلى الرغم من أهمية الدور الذى تلعبه العولمة الاقتصادية في عالمنا المعاصربما تحويه من نظم رئيسية فاعلة ومؤثرة في كافة الأنشطة على الساحة الاقتصادية الدولية مثل : صدنوق النقد الدولى، البنك الدولى، إلا أنها أصبحت تمثل تحدياً خطيراً يؤثر على وحدة الدولة الوطنية ومفهوم السيادة، ذلك لأن الحدود سوف تسقط بذلك أمام الشركات العملاقة متعددة القوميات، والتى يمكن أن تتجاوز مبيعاتها السنوية الناتج المحلى الإجمالى لعدد من الدول النامية، ومن ثم اكتسبت العولمة الاقتصادية بذلك صفة سيئة للغاية نتيجة تأثيراتها السلبية على خصوصيات الإقتصاديات المحلية، بالإضافة إلى تعميم إقتصاد السوق بما في ذلك تمكن الدول الكبرى "دول الشمال" في إحكام السيطرة على عناصر الإنتاج والتصنيع والنظم التكنولوجية والمعلوماتية في الدول الأفريقية " دول الجنوب" وهو ما سوف يؤدى إلى اتساع الفجوة التنموية والرفاهة لصالح دول الشمال على حساب دول الجنوب بما يعنيه مزيد من التبعية الأقتصادية تؤثر على الاستقلال السياسى لدول الجنوب تعيق بكل تأكيد من فرص التكامل والإندماج بين الدول الأفريقية ببعضها البعض . ونتيجة لما سبق، ادركت مصر مصالحها القومية التى تحتم عليها الاتجاه جنوباً والتعاون المشترك مع الدول الأفريقية، لاسيما بعد رئاستها للإتحاد الأفريقى بعد أن أثبتت مصر جدارتها على القيادة من خلال رئاستها الحالية أيضاً لمجموعة ال77 والصين، نتيجة لتوافر عوامل الإرادة والعزيمة لتطوير التعاون بين الدول النامية، بحيث يضمن كل إنسان داخل هذه الدول نصيباً عادلاً من التنمية والعيش الكريم، ومن ثم تطلع مصر إلى إحداث انتعاشه داخل القارة الأفريقية على كافة الأصعدة السياسية والإقتصادية والأمنية والإجتماعية من خلال تكثيف الجهود بين دول القارة الأفريقية لكل ما يهدد السيادة الوطنية للدول والعمل على حل المشاكل والأزمات داخل هذه الدول، خاصة في ظل ما يشهده العالم من تنامى لظاهرة الإرهاب وأثاره الفتاكة على أمن واستقرار القارة السمراء وبما يعيق عملية التنمية والتحديث، كما تسعى مصر إلى زيادة الإستثمارات والتجارة البينية بين الدول الأفريقية وتعزيز الشراكات المثمرة والمتعددة الأبعاد مع دول الشمال فيما يعرف بـ" التعاون المثلث" بما يضمن استقلالية أكثر لإقتصاديات الدول الأفريقية وتحقيق تكامل واندماج أكبر بين هذه الدول عن طريق الدولة المصرية التى تعد بمثابة حامل ميزان الاستقرار والأمن داخل القارة السمراء . لذلك فإن توفير المزيد من فرص العمل للشعوب الأفريقية وتطوير البنية التحتية القارية وتعزيز التجارة في إطار"عملية التجارة الحرة الأفريقية" وتطوير المنظومة الاقتصادية الأفريقية وتنويعها، بالإضافة إلى تعزيز المنظومة الصناعية، كل هذه الأشياء بمثابة العناصر الرئيسية التى تريد مصر تحقيقها ضمن أجندة أولوياتها خلال رئاستها للإتحاد الأفريقى، نبقى أن نشير أيضاً إلى دور الأكاديمية الوطنية لتأهيل الشباب وتدريبهم بما تقدمه من أنشطة وبرامج متنوعة على رأسها برنامج إعداد القادة الأفارقة بما يكفل توحيد الرؤى والأفكار مستقبلاً وبناء جيل من الشباب قادر على قيادة شعوب هذه القارة نحو مزيد من التقدم والتنمية، إيماناً من الدولة المصرية بأن التنمية والتحديث هما أقوى سلاح لمجابهة أغلب التحديات التى تواجهها القارة الأفريقية كالفقر والمرض والبطالة والإرهاب، ولكن نرى أن عملية التنمية والتحديث داخل القارة الأفريقية لن تتم سواء برئاسة مصر للإتحاد الأفريقى أو أى دولة أخرى إلا من خلال توافر عناصر الإرادة والإيمان والثقة بأننا قادرون على صناعة مستقبل أفضل يكفل تحقيق التنمية المستدامة بشكل أكثر إنصافاً للقارة الأفريقية