الباحث محمود أبو النصر، بالدراسات الأفريقية العليا_جامعة القاهرة. قبل أن تشرق شمس القاهرة، شهدت مصر عواصم إسلامية اندثرت معالمها، مثل الفسطاط، والعسكر، والقطائع. لكن شاء الله أن تظل القاهرة شامخة لأكثر من ألف عام، حارسة للديار المصرية والعربية. سُميت بذلك لأنها "تقهر" أعداءها ومن يعارضها، وقيل أيضًا إنها سُميت نسبة إلى نجم "القاهر" الذي ظهر في السماء وقت وضع حجر أساسها. ارتبط إنشاء مدينة القاهرة في عام 969 ميلاديًا (358 هجريًا) بالدولة الفاطمية، على يد قائد جيوشها جوهر الصقلي، الذي جاء بأمر من الخليفة المعز لدين الله الفاطمي. وفي قلب هذه العاصمة الجديدة، وُلد الجامع الأزهر في نفس العام، الذي شكّل مع القاهرة ضلعًا أساسيًا في مثلث القوة الفاطمية بمصر. واختلفت الروايات حول سبب تسميته، فمن قائل إنه سُمي نسبة إلى فاطمة الزهراء بنت الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن قائل إنه عُرف في البداية بـ"جامع القاهرة" ولم يُعرف باسم "الأزهر" إلا بعد سنوات عديدة. بعد قيام الدولة الأيوبية، أغلق صلاح الدين الأيوبي الأزهر لمدة 98 عامًا، فظل محروما طول تلك المدة من إقامة صلاة الجمعه من عام (567_665 هجريا \ 1171_1261 ميلاديا )،"إغلاق الأزهر كان يعكس الصراع المذهبي بين الأيوبيين والفاطميين. حتى عاد للحياة مجددًا في عهد الظاهر بيبرس البندقداري، على يد نائبه عز الدين أيدمر الحلي عام 1261ميلاديا (665 هجريا) ومنذ ذلك الحين بدأ الأزهر رحلة جديدة في خدمة العلم والدين. لم يقتصر دور الأزهر على مصر فقط، بل امتد نوره ليضيء أرجاء القارة الإفريقية. فقد كان كالنور في الظلام، يجذب إليه الكوادر والطلاب من مختلف الدول، مما نسج خيوطًا من النور والترابط بين شعوب القارة ومصر. هذا التعلم في مؤسسة عريقة كالأزهر لم يزِد فقط من الأواصر، بل خلق انتماءً حقيقيًا لهذه المنارة. وكما أنعم الله على الحجاز بوجود مكة والمدينة، فقد منّ على مصر بوجود الأزهر على أرضها. نستخلص من ذلك الدور العظيم لمدينة القاهرة والأزهر الشريف على مدار التاريخ سياسيًا وعلميًا ودينيًا، حيث شكّلا معًا نقطة التقاء فريدة بين الماضي والحاضر. حفظ الله مصر الكنانة أرضًا وشعبًا وجيشًا، وجعلها دائمًا حصنًا منيعًا وحِمى للإسلام والمسلمين والبلاد العربية، وحاضنة للقارة الإفريقية وشعوبها العظيمة.