العمل الخيري في مصر.....ما بين المليارات والإعلانات وملايين المصريين تحت خط الفقر!
تقرير - عبدالرحمن أحمد هشام
بحلول شهر رمضان من كل عام نرى المؤسسات الخيرية في المجتمع المصري تتنافس بعضها البعض في سباق لجمع التبرعات، لتملأ بدورها شاشات التلفاز بإعلانات تحثنا على التبرع لها، ولأن عادة ما يتجه المصريون للأعمال الخيرية في هذا الشهر الكريم بما تمليه علينا ثقافتنا الإسلامية والعربية، فنرى موائد الرحمن في كل مكان وتوزيع شنط رمضان والمساعدات العينية وإخراج الصدقات وأموال الزكاة.
وحسب دراسة أجراها مركز معلومات مجلس الوزراء حول العمل الخيري في مصر، يبلغ حجم الأموال التي يتم توجيهها إلى أعمال الخير من الأسر المصرية فقط نحو ٤,٥ مليار جنيه سنويًا.
غادة والي: الجمعيات الأهلية بالآلاف في مصر وتنفق المليارات على أعمالها
وفقا لتصريحات الدكتورة غادة والي، وزيرة التضامن الاجتماعي أنه قد بلغ عدد الجمعيات الأهلية في مصر ٤٨٣٠٠ جمعية، منها ٢٩ ألف جمعية نشطة، تنفق ١٢ ألف جمعية منها ١٠ مليارات جنيه سنويًا على العمل المجتمعي.
52 مليار جنيه سنويًا حجم الإنفاق الخيري في مصر.....و 30 مليون مصري تحت خط الفقر!
يقول الدكتور عادل عامر، خبير الدراسات الاستراتيجية، إنه في عام 2016 قد بلغ تقدير الإنفاق الخيري في مصر ما يقرب من 52 مليار جنيه، وعلى الرغم من اختلاف التقديرات والدراسات حول هذه الأرقام، فإنه لا يمكن تصور التبرعات والتحويلات الخيرية في مصر تقل عن حسبة المليارات لا الملايين، وتهافت شركات الإعلان والدعاية على تلك الأنشطة خير دليل، وأسعار البث المعروفة للجميع فقد وصل سعر الباقة الإعلانية الواحدة في إحدى القنوات الفضائية نحو 11 مليون جنيها ومساحة الإعلان الواحد 30 ثانية فقط.
إعلانات ومبادرات تبعث فينا البهجة والفرح، وميزانيات ضخمة تعطيك انطباعًا بأن جميع المؤسسات الخيرية في مصر تعمل من أجل تحسين حياة الفقراء وانتشال 30 مليون مصري من تحت خط الفقر، لكن برحيل الشهر الكريم يختفي كل هذا لتصطدم بأرض الواقع ومعاناة الفقراء في الحصول على أبسط احتياجات الحياة، الأمر الذي يجعلنا نتسائل أين تذهب تلك الأموال؟، ومن يستفيد من التبرعات؟!.
ثقافة التبرع وحياة العمل الخيري في مصر
الدكتورة نادية رضوان، أستاذ علم الإجتماع بجامعة بورسعيد تقول: "أصبح مجال العمل الخيري في مصر مقصورا على مجال الإغاثة والإطعام والإيواء والدواء....بما يعني الافتقار إلى التخطيط الاستراتيجي على المدى الطويل، في استغلال أموال الخير في مساعدة الدولة في بناء بنية تحتية أو المساعدة في الارتقاء بمجالات الصحة أو التعليم أو الطرق وكلها مساعدات متعارف عليها في الدول المتقدمة"
مشيرة إلي أن العمل الخيري في المجتمعات المتقدمة انتقل من مجرد العطاء فقط إلى المشاركة في البناء،....ومضيفة قائلة: "عشوائية التبرعات التي تحدث اليوم ما هي إلا تمزيق واستنزاف لجيوب المصريين ولموارد المجتمع المصري"
"لا تعطني سمكة ولكن علمني كيف أصطاد" .. تجربة صناع الحياة
تجربة فريدة تقوم بها مؤسسة صناع الحياة مصر في مبادرتها ( #رزق_حلال ) بعمل 1000 مشروع صغير إلى 1000 أسرة فقيرة في كل محافظات مصر من كل عام، ولا يزال نجاح المبادرة مستمرا، فعلى مدار ثلاثة أعوام قامت المؤسسة بتسليم 2500 مشروع للأسر الأكثر احتياجًا، ويعد نجاح تلك المبادرة ليس في توفير التبرعات لعمل المشروعات للأسر فحسب، بل النجاح الحقيقي في ما يقومون به المتطوعون بعمل أبحاث الحالة للأسر ودراستهم جيدًا ومتابعتهم بصفة مستمرة بعد الانتهاء من تسليم المشروعات لهم.
وبختام شهر رمضان المنقضي هذا العام جمع 3000 متطوع بالمؤسسة في كل محافظات مصر ما يقرب من 25 مليون جنيه من التبرعات لهذه المبادرة دون إعلان واحد في وسائل الإعلام، وتستعد المؤسسة لتنفيذ 1000 مشروع جديد هذا العام لتصل قيمة المشروع. إلى 25 ألف جنيه لتواصل بدورها نجاحها المعتاد.
1000 أسرة مصرية لن يعودوا مجددا للفقر، باب جديد فُتح لهم ليعتمدوا على أنفسهم في جلب أرزاقهم، فلن ينتظروا بعد اليوم شنطة رمضان. أو أي شكل من أشكال المساعدات المؤقتة ليعودوا بعدها فقراء من جديد.
"علمني شكرًا".....مبادرة شباب بيحب الخير في الإسكندرية
شباب من مختلف الكليات بجامعة الإسكندرية يجمعهم العمل الخيري ويؤمنون بالتنمية، تحديدًا في أغسطس 2014 عندما بادروا بتجربة صغيرة لتعليم الأطفال بقرية "البرنس" بعض المهارات الأساسية ومساعدتهم في العملية التعليمية بإمكانات بسيطة وشرح بعض المواد الدراسية لهم ومتابعتهم جيدا، لينعكس هذا عليهم في التحصيل العلمي والتربوي بشكل كبير ويتميزوا بين زملائهم في الدراسة، الأمر الذي يشعرهم وذويهم بالفرحة عندما يحصدون المراكز الأولى في صفوفهم الدراسية ويحصلون على شهادات التكريم في النهاية.
أكثر من 100 طفل اليوم يشهدون ذلك الاهتمام بمختلف أرجاء الإسكندرية وضواحيها، ومن الجميل في ما يقدمه هذا الشباب هو رعاية هؤلاء الأطفال صحيًا وتنشئته ثقافيًا وأخلاقيًا مع الجانب التعليمي.
ماذا يحدث ؟؟
يرى الأستاذ الدكتور محمود عبد الرحمن، الخبير في العمل التنموي والخدمة المجتمعية، ووكيل معهد الخدمة الإجتماعية بالإسكندرية لشئون المجتمع وتنمية البيئة، أن. ما تقوم به الغالبية من المؤسسات الخيرية في مصر مجرد أعمال متناثرة غير محددة الأهداف، وأن تلك المؤسسات ينقصها وضوح الرؤى. وأن تتبنى بدورها العمل على ملفات مع الدولة كالتعليم والتخطيط والإسكان، مشيرا أنها بحاجة إلى "اجازة تنسيقية" للقيام بهذا الأمر لافتًا أن العمل الخيري في مصر في تراجع، كما يؤكد على أهمية التوزيع الجغرافي العادل لها ووضع الضوابط لضمان العائد التنموي منها، خاصة أن هذه المؤسسات من المفترض أن تكون سند قوي للدولة وغياب دورها يعني وجود عجز في الدولة التي تُبنى في الأصل على المؤسسات وليست الحكومات، مؤكدًا أيضًا ضرورة وجود إلزامية تنسيقية بجانب قانون تنظيم العمل الخيري في مصر.