تُعدّ حرب أكتوبر المجيدة علامةً فارقة في التاريخ المصري والعربي، وصفحة من صفحات المجد التي سطّرها الجيش المصري بدماء أبنائه الطاهرة على أرض سيناء. لم تكن تلك الحرب مجرد معركة عسكرية لاستعادة الأرض، بل كانت معركة لاسترداد العزة والكرامة، وتجسيدًا لإرادة أمةٍ رفضت الهزيمة وأصرّت على النصر. لقد أثبتت مصر في تلك الأيام الخالدة أن كرامة الوطن لا تُقاس بالمسافات، بل تُصان بالدماء والتضحيات. فالتعدّي على الأرض لا يقلّ خطورة عن التعدّي على العرض، وهذه هي العقيدة الراسخة في وجدان المصريين منذ فجر التاريخ، عقيدة تقوم على اليقين بعدالة القضية، والإيمان بأن الدفاع عن الوطن واجبٌ مقدّس لا تهاون فيه. دخلت القوات المسلحة المصرية معركة أكتوبر مدفوعةً بروحٍ إيمانية ووطنية عالية، فكان إيمان الجندي المصري بعدالة قضيته سلاحًا لا يُقهر. وبإرادةٍ لا تعرف المستحيل، تمكّن أبطال مصر من تحطيم الأسطورة التي روّجت لها إسرائيل حول خط بارليف المنيع، الذي وصفه الخبراء العسكريون آنذاك بأنه لا يُقهر إلا بمعجزة. وقد صنع رجال القوات المسلحة تلك المعجزة بالفعل، حين عبروا قناة السويس وحطموا خط بارليف المنيع في مشهدٍ سيبقى شاهدًا على عبقرية المقاتل المصري. لقد كانت ملحمة السادس من أكتوبر تجسيدًا حقيقيًا لمعاني العزة والكرامة، فقد وقف أبطال مصر شامخين، يقاتلون ببسالةٍ ويضحّون بأرواحهم دفاعًا عن الأرض والعِرض. وكتبوا بدمائهم الزكية على رمال سيناء قصة نصرٍ خالدٍ سيظل محفورًا في ذاكرة التاريخ ووجدان الأمة، لتبقى أرض سيناء شاهدًا حيًّا على تضحيات الأبطال الذين روت دماؤهم ترابها الطاهر. كما جسّدت حرب أكتوبر مبدأ القوة من أجل السلام، إذ أثبتت مصر قدرتها على صنع المجد والمعجزات، مؤكدةً أن القوة لا تكمن في السلاح وحده، بل في الإيمان بالوطن والثقة بالنصر. كانت الحرب رسالة واضحة إلى العالم مفادها أن مصر لا تعرف الخضوع أو الاستسلام، وأنها قادرة على حماية أرضها وصون كرامتها، وأن السلام الحقيقي لا يقوم إلا على العدل، ولا يحميه إلا الأقوياء. لقد كان نصر أكتوبر نصرًا لمصر وللأمة العربية بأسرها، إذ وحّد الصفوف، وأعاد للأمة ثقتها بنفسها، وأكد أن الوحدة العربية قوة لا يُستهان بها. وفي ختام هذه الذكرى الخالدة، نوجه تحية إجلالٍ وتقديرٍ لأبطال حرب أكتوبر المجيدة، الذين كتبوا بدمائهم أنشودة النصر، وصنعوا فجرًا جديدًا من الكرامة والعزة. تحيةً لكل شهيدٍ روى بدمه تراب هذا الوطن، ولكل مقاتلٍ رفع راية النصر خفّاقة في سماء العزة والحرية. سيبقى نصر أكتوبر شاهدًا على عظمة مصر وجيشها، ورمزًا خالدًا للقوة والإرادة والسلام. بقلم: أسامة شمس الدين – باحث وكاتب
السادس من أكتوبر رسالة الحرب والسلام
التالى
البقاء لله
