بقلم الباحث والكاتب - أسامة شمس الدين

بقلم الباحث والكاتب - أسامة شمس الدين
بقلم الباحث والكاتب  -  أسامة شمس الدين
منذ قيام الاحتلال الإسرائيلي، وقد أتقن استخدام اللغة السياسية والقانونية لتبرير ممارساته العدوانية ضد الشعب الفلسطيني. وتقوم منهجية الاحتلال الإسرائيلي على الخلطٍ المتعمّد بين مفاهيم الأمن القومي الإسرائيلي ومفهوم الإرهاب وحق الشعوب في تقرير مصيرها. فكلما طالب الشعب الفلسطيني بحقهم المشروع في الحرية والاستقلال، رفع الاحتلال الإسرائيلي لافتة "الدفاع عن النفس"، وتحدث عن "تهديد إرهابي"، متناسيًا أن المقاومة الفلسطينية هي في جوهرها حق قانوني دولي أقرّته المواثيق الأممية منذ عقود. وسوف نتناول هذه المفاهيم في ظل القانون الدولي والمواثيق الأممية. أولا: الأمن القومي بين المشروعية والعدوان: يُعتبر الأمن القومي حقًا مشروعًا لكل دولة، لكنه ليس مطلقًا ولا يمكن أن يكون غطاءً للعدوان، وهذا ما أكدته المواثيق الأممية. فقد نصّ ميثاق الأمم المتحدة لعام (1945) في مادته الثانية على حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية إلا في حالة الدفاع الشرعي عن النفس وفقًا للمادة (51) من الميثاق، وبصورة متناسبة ومؤقتة. أما الاحتلال الإسرائيلي فقد حوّل هذا الحق إلى ذريعة دائمة لممارساته العسكرية ضد الشعب الفلسطيني، حيث وسّع مفهوم "الأمن القومي" ليشمل احتلال الأرض، وحصار السكان، وتدمير البنية التحتية، في مخالفة صريحة لروح القانون الدولي. كما أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966) في مادته الرابعة، قيد استخدام حالة الطوارئ بشروط محددة واستثنائية، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي أعلن "حالة طوارئ" دائمة منذ تأسيسه، ما جعله يعيش في ظل تبرير قانوني مستمر للانتهاكات. ثانيًا: حق الشعوب في تقرير مصيرها في المقابل، يرسّخ القانون الدولي والمواثيق الأممية مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها كأحد المبادئ الأساسية التي لا يجوز التنازل عنها. فقد أكدت المادة (1/2) من ميثاق الأمم المتحدة على احترام هذا الحق، وكرّس العهدان الدوليان لعام 1966 (الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية) في مادتهما الأولى أن “لكافة الشعوب الحق في تقرير مصيرها، ولها بمقتضى هذا الحق أن تحدد بحرية مركزها السياسي وتسعى بحرية إلى تحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.” كما تضمن إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمَرة عام 1960 على الإعلان عن: 1- إن إخضاع الشعوب لاستعباد الأجنبي وسيطرته واستغلاله يشكل إنكارًا لحقوق الإنسان الأساسية، ويناقض ميثاق الأمم المتحدة، ويعيق قضية السلم والتعاون العالميين. 2- لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها، ولها بمقتضى هذا الحق أن تحدد بحرية مركزها السياسي وتسعى بحرية إلى تحقيق إنمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. 3- لا يجوز أبدًا أن يتخذ نقص الاستعداد في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو التعليمي ذريعة لتأخير الاستقلال. 4- يوضع حد لجميع أنواع الأعمال المسلحة أو التدابير القمعية الموجهة ضد الشعوب التابعة، لتمكينها من الممارسة الحرة والسلمية لحقها في الاستقلال التام، وتحترم سلامة ترابها الوطني. رغم ذلك، يستمر الاحتلال الإسرائيلي في تجاهل هذه النصوص، محاولًا نزع الشرعية عن المطالب الفلسطينية بالحرية والسيادة، عبر ربطها بمفاهيم مفهوم الإرهاب ومفهوم الأمن القومي الإسرائيلي. ثالثاً: مكافحة الإرهاب والمقاومة الفلسطينية المشروعة تتبنّى الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية منذ سبعينيات القرن الماضي نهجًا واضحًا في التمييز بين مفهوم الإرهاب والمقاومة الفلسطينية المشروعة. فقد نصّ قرار الجمعية العامة رقم 3034 لسنة 1972 على أن "الاحتلال الأجنبي والقهر من الأسباب الجذرية للإرهاب"، وأكد أن نضال الشعوب ضد السيطرة الاستعمارية لا يمكن اعتباره عملًا إرهابيًا، وجاء القرار 3103 لسنة 1973 ليُشرعن نضال الشعوب ضد الاحتلال الأجنبي، معتبرًا إياه ممارسة مشروعة لحق تقرير المصير. ومع ذلك، يصرّ الاحتلال الإسرائيلي على استخدام مصطلح "الإرهاب" لتجريم كل شكل من أشكال المقاومة الفلسطينية، متجاهلًا أن القانون الدولي الإنساني. التناقض الإسرائيلي مع القانون الدولي من خلال هذا التلاعب المفاهيمي، يحاول الاحتلال الإسرائيلي تقويض أحد أهم إنجازات القانون الدولي والمواثيق الأممية: شرعية مقاومة الاحتلال. فهو يقدم نفسه كضحية لـ"المقاومة الفلسطينية"، بينما يمارس إرهاب الدولة من خلال العدوان العسكري، والتهجير القسري، وحصار المدنيين. وخلاصة ما تقدم: أن ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي لا يقتصر على احتلال الأرض، بل يمتد إلى احتلال المفاهيم القانونية ذاتها، في محاولة لإعادة صياغة القانون الدولي بما يخدم مصالحه، فهو يستخدم مفهوم مكافحة الإرهاب لتجريم المقاومة الفلسطينية، ومفهوم الأمن القومي الإسرائيلي لتبرير العدوان، و“حق الدفاع عن النفس” لتغطية جرائم الحرب. إلا أن النصوص القانونية الأممية واضحة: ١. حق تقرير المصير قاعدة آمرة لا يجوز المساس بها. ٢. المقاومة الفلسطينية ليست إرهابًا بل ممارسة لحق مشروع. ٣. العدوان الإسرائيلي المستمر يُعدّ خرقًا صارخًا لميثاق الأمم المتحدة ولـالقانون الإنساني الدولي. وعليه، فإن مسؤولية المجتمع الدولي تقتضي: ١. وقف استخدام مفهومي مفهوم الإرهاب ومفهوم الأمن القومي الإسرائيلي لتبرير الاحتلال. ٢. دعم حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وفقًا لقرارات الأمم المتحدة، مساءلة الاحتلال الإسرائيلي أمام المحكمة الجنائية الدولية عن جرائم الحرب والتمييز العنصري إن مواجهة هذا التلاعب المفاهيمي ليست قضية فلسطينية فقط، بل قضية تخص النظام الدولي برمّته، لأنه إن سُمح لدولة بأن تُعيد تعريف القوانين وفق مصالحها، فإن القانون سيفقد معناه، والعدالة ستفقد قيمتها. بقلم الباحث والكاتب / أسامة شمس الدين

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق المهندس إيهاب الفقي ....قيادة واعية ورؤية إنسانية نحو تنمية شاملة للعاملين

معلومات الكاتب

 
Get new posts by email: