بقلم الدكتور محسن محمد معالي
العَوَامِلُ النَّحْوِيَّةُ للجُرْجَانِيِّ
(بَيْنَ النَّظَرِيَّةِ وَالتَّطْبِيقِ)
هَذَا الكِتَابُ الذِي بَيْنَ أَيدِينَا يَشْرَحُ إِحدَى المَخطُوطَاتِ الثَّمِينَةِ مِنْ كُنُوزِ التُّرَاثِ اللُّغَويِّ ، وَهِيَ المَخْطُوطَةُ المُسَمَّاةُ : { العَوَامِلُ النَّحْوِيَّةُ } لِعَبْدِ القَاهِرِ الجُرْجَانيِّ إِذْ تُمَثِّلُ أُسلُوبًا مُتَمَيِّزًا في عَرْضِ القَوَاعِدِ النَّحْويَّةِ مِنْ حَيْثُ السَّهُولَةُ في التَّنَاوُلِ .
وفي هَذا الكِتَابِ فَفِي هَذَا الكِتَابِ عَرَّفْتُ بِالمؤَلِّفِ ، ثُمَّ وَصَفْتُ المَخْطُوطَةَ ، وَتَنَاوَلْتُ بِالشَّرحِ العَوَامِلِ التِي أَوْرَدَهَا الجُرْجَانِي فِي المَخْطُوطَةِ حَيْثُ بَدَأَ بِبَيَانِ تِلكَ العَوامِلِ المُؤَثِّرَةِ في الأسمَاءِ وَالأفعالِ وَتَقْسِيْمَهَا لِعَوَامِلِ لَفظِيَّةٍ وَأخْرَى مَعْنَويَّةِ .
فَمِنَ العَوَامِلِ اللَّفْظِيَّةِ : حُرُوفُ الجَرِّ ، وَتَعَدُّدُ مَعَانِيهَا وَصَلاحِيَةُ أنْ يَحِلَّ بَعْضُهَا مَحَلَّ بَعْضٍ ، عَرَضْتُ لِشَوَاهِدِ تؤَيِّدُ مَا ذَهَبَ إِليهِ.
وَعَرَضْتُ ( النَّوَاسِخ ) وَهِيَ حُروفٌ تَنصِبُ الاسمَ ، وَتَرفَعُ الخَبَرَ ، والفَرقَ بَيْنَها ، وَمِنْهَا حَرْفَانِ يَرفَعَانِ الاسمَ ( ما ، لا ) ( لات ، إن ).
كَذَلِكَ عَرَضُهُ لِحُرُوفٍ تَنْصِبُ الاسمَ فَقَط – الاستِثْنَاءَ ، النِّدَاءَ.
وَحُرُوفٌ تَنْصِبُ الفِعْلَ المُضَارعَ ، وَعَرَضْتُ للفرْقِ بَيْنَهَا وَمَعْنَاهَا ، وَشَواهِدَ تَطْبِيقِيَّةَ تُبَيِّنُ ذَلِكَ.
من العَوَامِلِ أيضًا حُرُوفٌ تَجْزِمُ الفِعْلَ المُضَارعَ وَبَيَّنتُ عَمَلَها فيهِ ، وَكَذَلكَ ، أَسمَاءٌ تَجْزِمُ الفِعَلَىنِ ( أَسْمَاءُ الشَّرطِ ) وَعَملَهَا.
وَبيَّنتُ أَسمَاءَ الأَفعَالِ ، وعَرَضْتُ شَوَاهِدَ لَهَا مِنَ اللُّغَةِ .
أمَّا الأَفعَالُ النَّاقِصَةُ ، فَهِيَ التِي تَرْفَعُ الاسمَ ، وَتَنْصِبُ الخَبَرَ ، نَحْوَ (كَانَ وَأَخَوَاتُهَا ) ، وَ(أَفعَالُ المقَارَبَةِ والرَّجَاءِ والشُّرُوعِ) ، أَفعَالُ المَدْحِ ، وَالذَّمِّ ، وَأَفعَالُ القُلُوبِ : أَفعَالُ الشَّكِّ وَاليَقينِ : ( ظَنَّ وأخواتـُها ) والعَامِلُ فِيهَا.
وَبَيَّنتُ المَرَادَ بِالعَوَامِلِ اللَّفْظِيَّةِ القِيَاسِيِّةِ ، كَمَا بَيَّنَها المُصَنِّفُ وَهِيَ المُشْتَقَّاتُ بِنَوعَيهَا الفِعلِيةِ وَالاسمِيَّةِ ، فَالفِعلِيَّةُ : الفِعْلُ عَلَى الإِطلَاقِ . وَالمشْتَقَّاتُ الاسمِيَّةُ {اسمُ الفَاعِلِ، اسمُ المَفعولِ ، الصِّفَةُ المُشَبَّهَةُ } ثُمَّ عَمَلُ المَصْدَرِ ، وَغَير ذَلِكَ مِنَ الأَسمَاءِ ، مُضَافًا أَواستَغنَى عَنِ الإِضَافَةِ .
- العَوَامِلُ المَعنَويَّةُ : - العَامِلُ في المُبتَدَإِ وَالخَبَرِ .
وَقَد اسْتَعَنتُ في شَرْحِ العَوَامِلِ الجُرْجَانِيةِ بِأَمْثِلَةٍ وَضَعْتُهَا ، وَأَبيَاتٍ مِنَ الشِّعْرِ ، وَاقتَبَسْتُ مِنَ الحَدِيثِ الشَّريفِ ثُمَّ القُرآنِ الكَرِيمِ ، وَقَدْ حَرَصْتُ عَلَى اختِيَارِ الاسْتِشْهَادِِ المُنَاسبِ لِكُلِّ عَامِلٍ مِنَ العَوَامِلِ ؛ لأَنَّنِي أَرَى أَنَّ القَوَاعِدَ النَحويَةَ لايمْكنُ فَهمُهَا بِدُونَ الشَّواهِدِ التطبِيقِيَّةِ التي تُبيِّنُهَا .
وَقَــدْ شَرَحْتُ تِلكَ العَوَامِلَ شَرْحًا يَسِيرًا غيْرَ مخُلِّ ، وَلَمْ أُطِلْ تَطويلًا مُمِلاً ، وَإنَّمَا قَصَدْتُ لِمَا يُؤدِّي الغَرَضَ ، وَيُكْمِلُ الهَدَفَ مِنَ الشَرحِ ؛ فَقدْ بَيَّنْتُ عَوَامِلَ لَم يَذكُرْهَا المُصَنِّفُ ؛ لِزِيادَةِ الإِفَادَةِ ، وَمِنْ ثَمَّ يَجدُ البَاحِثُ ضَالَتَهُ ، فَتُغْنِيه عَنِ الكِتَابِ فِي كُتُبِ النَّحْوِ ، وَيَرْتَوي بِمَا يَجِدُ .
وَنَسألُ اللهَ الكَرِيمَ أنْ يَجْعَلَ هَذَا الجَهْدَ المُتَوَاضِعَ نَافعًا لخدمَةِ اللغَةِ العَرَبِيَّةِ ، وَرَفَعًا لهَا مِنْ عَثْرَتِهَا ، وَدِرْعًا قَويًّا يَرُدُّ كَيْدَ العِدَا عِنْهَا ، وَيَكُونُ لَأمَّتِي دِرْعًا دِلاصًا تَرُدُّ حَدَّ نِبَالِ الحِقدِ .
وَنَسأَلَهُ تَعَالى أنْ يَجْعَلَهُ عَمَلاً خَالِصًا لِوَجْهِهِ الكَرِيمِ ، وَأنْ يَجْعَلَهُ صَدَقَةً جَارَيَةً إِلى يَوْمِ القِيَامِةِ ، قَالَ رَسُولُ اللهِ r : " إِذَا مَاتَ ابنُ آدَمَ انقطعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاثٍ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ أوْ عِلْمٌ يُنتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدعُو لَهُ " وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ